كثيراً ما يعبّر منتقدو الرئيس ترامب عن حيرتهم إزاء سر استمرار الدعم الواسع الذي يحظى به بين المحافظين. بعض هذه «الحيرة» مصطنع، إذ يضطر كثيرون مما تبقى من معسكر «أبداً ترامب» لإنكار حدوث أي شيء جيد في عهده، نظراً لأن ذلك يعقّد يقينهم بشأن ترامب. فيفضّلون خطاب التنديد حتى على إمكانية وجود سجل مختلط له. أما الذين يعترفون بأن موقف ترامب بخصوص العديد من القضايا كان صائباً، فيقاومون موازنة صريحة للأشياء الجيدة والأشياء السيئة، نظراً لأن ذلك يؤدي حتماً إلى مناقشة لاختيارات ترامب السياسية الجيدة، وهي، عند فحصها عن قرب، كثيرة ومستمرة.
غير أنه بافتراض أن بعض المنتقدين الحيارى إما مرتبكون حقاً أو أنهم مشغولون أو كسالى عن البحث، دعوني أعطيكم أحدث دليل في سجل ترامب من الإصلاحات المحافظة الحقيقية والمستمرة.
في التاسع من أكتوبر الجاري، وقّع الرئيس أمرين تنفيذيين يهدفان إلى تحسين الشفافية عندما تُصدر أو تفرض الوكالات الحكومية «توجيهاً» بخصوص أفضل السبل للامتثال لقانون أو لائحة. لقد وضعت كلمة «توجيه» بين مزدوجين، لأنها تبدو لطيفة وحميدة. فمن منا لا يريد «توجيهاً» بشأن مسائل تفسير القوانين واللوائح الصعبة؟ لكن «التوجيه» أضحى كلمة تتكرر على لسان دولة التقنين، وتصدر بكميات متزايدة من عدد متزايد من الوكالات الفدرالية. والحال أن هذه المذكرات غير الرسمية الصادرة عن البيروقراطية الفدرالية الكبيرة تنطوي على تكلفة كبيرة جداً وأحياناً عقابات قوية للغاية.
واليوم، يعامل ترامب البيروقراطيين المدمنين على التوجيهات بحزم، بانياً على أعمال وزير العدل السابق جيف سيشنز ومساعدة وزير العدل السابقة ريتشل براند. وفي هذا الصدد، قال خلال حفل التوقيع: «إن الوكالات الفيدرالية تُصدر منذ عدة عقود آلاف الصفحات مما يسمى وثائق (التوجيه). غير أنه في أحيان كثيرة، تكون وثائق التوجيه بمثابة باب خلفي يستخدمه المقنِّنون لتغيير القوانين وتوسيع نطاقها. والحق أن التوجيه استُخدم كثيراً لإخضاع المواطنين الأميركيين والشركات الأميركية لإجراءات تطبيق تعسفية وأحياناً مؤذية».
ترامب قال مازحاً إنه هو نفسه كان يمكن أن يكون هدفاً لـ«رسائل التوجيه» تلك، ثم وضع أصبعه على الجرح قائلاً: «بسبب هذه الوثائق وحقيقة كونها في أحيان كثيرة مخفية ويصعب إيجادها، فإن الكثير من الأميركيين لا يعلمون شيئاً بشأن القوانين إلا عندما يدق عملاء فيدراليون أبوابهم»، مضيفاً: «إن هذا الشطط التنظيمي يُضعف نظامنا الحكومي الدستوري».
لكن، كيف يمكن لمناهض الديمقراطية المفترض أن يدفع بمثل هذه الحجة؟ «إن البيروقراطيين غير المنتخَبين وغير الخاضعين للمحاسبة يجب ألا يكونوا قادرين على العمل خارج نظام الحكومة الديمقراطي، ويفرضوا أجندتهم الخاصة على مواطنينا»، يقول ترامب.
والواقع أن تلك هي أفكار المحافظين. والرئيس قدم مرافعة قوية دفاعاً عن حكومة جمهورية تمثيلية. وهذا سبب إضافي يفسر سر جاذبية ترامب لكثير من محافظي حكم القانون.
كذلك وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بخصوص التطبيق الإداري والقرارات الإدارية، ينص على منع الوكالات من معاملة عدم الالتزام بوثيقة التوجيه باعتباره خرقاً للقانون.
هذان الأمران التنفيذيان يمثلان ضربة قوية لحالة إدارية متسيبة ومتعطشة للسلطة على نحو متزايد، كثيراً ما حذّر منها المحافظون، إلى أن حوّل بعضهم كل معتقداته إلى تنحية ترامب بأي طريقة ممكنة، بما في ذلك المحاكمة، أو العزل أو هزمه في انتخابات 2020.
إنها الأفكار المحافظة التي تجذب المحافظين. وهو أمر واضح وبديهي.
*كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
غير أنه بافتراض أن بعض المنتقدين الحيارى إما مرتبكون حقاً أو أنهم مشغولون أو كسالى عن البحث، دعوني أعطيكم أحدث دليل في سجل ترامب من الإصلاحات المحافظة الحقيقية والمستمرة.
في التاسع من أكتوبر الجاري، وقّع الرئيس أمرين تنفيذيين يهدفان إلى تحسين الشفافية عندما تُصدر أو تفرض الوكالات الحكومية «توجيهاً» بخصوص أفضل السبل للامتثال لقانون أو لائحة. لقد وضعت كلمة «توجيه» بين مزدوجين، لأنها تبدو لطيفة وحميدة. فمن منا لا يريد «توجيهاً» بشأن مسائل تفسير القوانين واللوائح الصعبة؟ لكن «التوجيه» أضحى كلمة تتكرر على لسان دولة التقنين، وتصدر بكميات متزايدة من عدد متزايد من الوكالات الفدرالية. والحال أن هذه المذكرات غير الرسمية الصادرة عن البيروقراطية الفدرالية الكبيرة تنطوي على تكلفة كبيرة جداً وأحياناً عقابات قوية للغاية.
واليوم، يعامل ترامب البيروقراطيين المدمنين على التوجيهات بحزم، بانياً على أعمال وزير العدل السابق جيف سيشنز ومساعدة وزير العدل السابقة ريتشل براند. وفي هذا الصدد، قال خلال حفل التوقيع: «إن الوكالات الفيدرالية تُصدر منذ عدة عقود آلاف الصفحات مما يسمى وثائق (التوجيه). غير أنه في أحيان كثيرة، تكون وثائق التوجيه بمثابة باب خلفي يستخدمه المقنِّنون لتغيير القوانين وتوسيع نطاقها. والحق أن التوجيه استُخدم كثيراً لإخضاع المواطنين الأميركيين والشركات الأميركية لإجراءات تطبيق تعسفية وأحياناً مؤذية».
ترامب قال مازحاً إنه هو نفسه كان يمكن أن يكون هدفاً لـ«رسائل التوجيه» تلك، ثم وضع أصبعه على الجرح قائلاً: «بسبب هذه الوثائق وحقيقة كونها في أحيان كثيرة مخفية ويصعب إيجادها، فإن الكثير من الأميركيين لا يعلمون شيئاً بشأن القوانين إلا عندما يدق عملاء فيدراليون أبوابهم»، مضيفاً: «إن هذا الشطط التنظيمي يُضعف نظامنا الحكومي الدستوري».
لكن، كيف يمكن لمناهض الديمقراطية المفترض أن يدفع بمثل هذه الحجة؟ «إن البيروقراطيين غير المنتخَبين وغير الخاضعين للمحاسبة يجب ألا يكونوا قادرين على العمل خارج نظام الحكومة الديمقراطي، ويفرضوا أجندتهم الخاصة على مواطنينا»، يقول ترامب.
والواقع أن تلك هي أفكار المحافظين. والرئيس قدم مرافعة قوية دفاعاً عن حكومة جمهورية تمثيلية. وهذا سبب إضافي يفسر سر جاذبية ترامب لكثير من محافظي حكم القانون.
كذلك وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بخصوص التطبيق الإداري والقرارات الإدارية، ينص على منع الوكالات من معاملة عدم الالتزام بوثيقة التوجيه باعتباره خرقاً للقانون.
هذان الأمران التنفيذيان يمثلان ضربة قوية لحالة إدارية متسيبة ومتعطشة للسلطة على نحو متزايد، كثيراً ما حذّر منها المحافظون، إلى أن حوّل بعضهم كل معتقداته إلى تنحية ترامب بأي طريقة ممكنة، بما في ذلك المحاكمة، أو العزل أو هزمه في انتخابات 2020.
إنها الأفكار المحافظة التي تجذب المحافظين. وهو أمر واضح وبديهي.
*كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»